فصل: تفسير الآية رقم (216):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.سؤال: ما المراد من الخير؟

الجواب: المراد من الخير هو المال لقوله عز وجل: {وَإِنَّهُ لِحُبّ الخير لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8] وقال: {إِن تَرَكَ خَيْرًا الوصية} [البقرة: 180] فالمعنى وما تفعلوا من إنفاق شيء من المال قل أو كثر، وفيه قول آخر وهو أن يكون قوله: {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ} يتناول هذا الإنفاق وسائر وجوه البر والطاعة، وهذا أولى. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {يسألونك ماذا ينفقون} الآية. قال: يوم نزلت هذه الآية لم يكن زكاة، وهي النفقة ينفقها الرجل على أهله، والصدقة يتصدق بها فنسختها الزكاة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال: سأل المؤمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم أين يضعون أموالهم؟ فنزلت {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير} الآية. فذلك النفقة في التطوّع، والزكاة سوى ذلك كله.
وأخرج ابن المنذر عن ابن حبان قال «إن عمرو بن الجموح سأل النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا ننفق من أموالنا وأين نضعها؟ فنزلت {يسألونك ماذا ينفقون} الآية. فهذا مواضع نفقة أموالكم».
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذرعن قتادة قال: همتهم النفقة فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {ما أنفقتم من خير} الآية.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {يسألونك ماذا ينفقون} قال: سألوه ما لهم في ذلك؟ {قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين} الآية. قال: هاهنا يا ابن آدم فضع كدحك وسعيك ولا تنفح بها هذا وذاك وتدع ذوي قرابتك وذوي رحمك.
وأخرج الدارمي والبزار وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس قال: ما رأيت قومًا كانوا خيرًا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض، كلهن في القرآن، منهن {يسألونك عن الخمر والميسر} [البقرة: 219] و{يسألونك عن الشهر الحرام} [البقرة: 217] و{يسألونك عن اليتامى} [البقرة: 220] و{يسألونك عن المحيض} [البقرة: 222] و{يسألونك عن الأنفال} [الأنفال: 1] و{يسألونك ماذا ينفقون} ما كانوا يسألونك إلا عما كان ينفعهم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)}.
قد تقدَّم أنَّ {ماذا} له استعمالات ستَّةٌ عند قوله: {مَاذَا أَرَادَ الله بهذا مَثَلًا} [البقرة: 26].
وهنا يجوز أن تكون {ماذا} بمنزلة اسمٍ واحدٍ، بمعنى الاستفهام؛ فتكون مفعولًا مقدَّمًا ل {يُنْفِقُونَ}؛ لأنَّ العرب يقولون: عماذا تَسْأَلُ بإثبات الألف، وحذفوها من قولهم: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1] وقوله: {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} [النازعات: 43] فلما لم يحذفون الألف من آخر مَا، علمت أنه مع ذا بمنزلة اسم واحدٍ، ولم يحذفون الألف منه، لمَّا لم يكن آخر الاسم، والحذف يلحقها إذا كان آخرًا، إلاَّ أن يكون في شعر؛ كقوله: الوافر:
عَلَى مَا قَامَ يَشْتَمُنِي لَئِيمٌ ** كَخنْزِيرٍ تَمَرَّغَ فِي رمَادِ

قال القرطبي: إن خفَّفت الهمزة، قلت: يسلونك، ومنه: ما {يُنْفِقُون} ويجوز أن تكون ما مبتدأ وذا خبره، وهو موصولٌ.
و{ينفقون} صلته، والعائد محذوفٌ، و{ماذا} معلِّق للسؤال، فهو في موضع المفعول الثاني، وقد تقدَّم تحقيقه في قوله: {سَلْ بني إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم} [البقرة: 211].
قال القرطبي: متى كانت اسمًا مركابً، فهي في موضع نصب إلاَّ ما جاء في قول الشاعر: الطويل:
وَمَاذَا عَسَى الوَاشُونَ أَنْ يَتَحَدَّثُوا ** سِوَى أَنْ يَقُولُوا إِنَّنِي لَكِ عَاشِقُ

فإِنَّ عَسَى لا تعمل فيه، فماذا في موضع رفعٍ، وهو مركَّبٌ؛ إذ لا صلة لذا.
وجاء {ينفقون} بلفظ الغيبة؛ لأنَّ فاعل الفعل قبله ضمير غيبةٍ في {يَسْألونَكَ}، ويجوز في الكلام ماذا نُنْفِقُ كما يجوز: أقسم زيدٌ ليَضْرِبَنَّ ولأضْرِبَنَّ، وسيأتي لهذا مزيد ببيانٍ في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} [المائدة: 4] في المائدة إن شاء الله تعالى.
قوله: {قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ} يجوز في ما وجهان:
أظهرهما: أن تكون شرطيّةً؛ لتوافق ما بعدها، فما في محلِّ نصبٍ، مفعولٌ مقدَّمٌ، واجبُ التقديم؛ لأنَّ له صدر الكلام.
و{أَنْفَقْتُمْ} في محلّش جزمٍ بالشرط، و{مِنْ خَيْرٍ} تقدَّم إعرابه في قوله: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106].
وقوله: {فللوالدين} جواب الشرط، وهذا الجارُّ خبر لمبتدأ محذوف، أي: فمصرفه للوالدين، فيتعلَّق بمحذوفٍ، إمَّا مفردٌ، وإمَّا جملةٌ على حسب ما ذكر من الخلاف فيما مضى.
وتكون الجملة في محلِّ جزمٍ بجواب الشرط.
والثاني: أن تكون مَا موصولة، و{أَنْفَقْتُمْ} صلتها، والعائد محذوف، لاستكمال الشروط، أي: الذي أنفقتموه.
والفاء زائدة في الخبر الذي هو الجارُّ والمجرور.
قال أبو البقاءِ في هذا الوجه: ومِنْ خيرٍ يكون حالًا من العائد المحذوفٍ. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (216):

قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما أخبروا بما سألوا عنه من إحدى الخصلتين المضمنتين لآية الزلزال كان ذلك موضع السؤال عن الأخرى فأجيبوا على طريق الاستئناف بقوله: {كتب}. وقال الحرالي: لما التف حكم الحج بالحرب تداخلت آيات اشتراكهما وكما تقدم تأسيس فرض الحج في آية: {فمن فرض فيهن الحج} [البقرة: 197] انتظم به كتب القتال، والفرض من الشيء ما ينزل بمنزلة الجزء منه، والكتب ما خُرز بالشيء فصار كالوصلة فيه، كما جعل الصوم لأن في الصوم جهاد النفس كما أن في القتال جهاد العدو، فجرى ما شأنه المدافعة بمعنى الكتب وما شأنه العمل والإقبال بمعنى الفرض، وهما معنيان مقصودان في الكتاب والسنة تحق العناية بتفهمهما لينزل كل من القلب في محله ويختص النية في كل واحد على وجهه وقد كان من أول منزلة آي القتال {أذن للذين يقاتلون} [الحج: 39] فكان الأول إذنًا لمن شأنه المدافعة عن الدين بداعية من نفسه من نحو ما كانت الصلاة قبل الفرض واقعة من الأولين بداعية من حبهم لربهم ورغبتهم إليه في الخلوة به والأنس بمناجاته فالذين كانت صلاتهم حبًا كان الخطاب لهم بالقتال إذنًا لتلفتهم إليه في بذل أنفسهم لله الذين كان ذلك حبًا لهم يطلبون الوفاء به حبًا للقاء ربهم بالموت كما أحبوا لقاء ربهم بالصلاة حين عقلوا وأيقنوا أنه لا راحة لمؤمن إلا في لقاء ربه، فكان من عملهم لقاء ربهم بالصلاة في السلم، وطلب لقائه بالشهادة في الحرب، فلما اتسع أمر الدين ودخلت الأعراب والأتباع الذين لا يحملهم صدق المحبة للقاء الله على البدار للجهاد نزل كتبه كما نزل فرض الصلاة استدراكًا فقال: {كتب عليكم القتال} أي أيتها الأمة! وكان في المعنى راجعًا لهذا الصنف الذين يسألون عن النفقة، وبمعنى ذلك انتظمت الآية بما قبلها فكأنهم يتبلدون في الإنفاق تبلدًا إسرائيليًا ويتقاعدون عن الجهاد تقاعد أهل التيه منهم الذين قالوا: {اذهب أنت وربك فقاتلا} [المائدة: 24].انتهى.
{وهو كره} وهو ما يخالف غرض النفس وهواها، ولعله لكونه لما كان خيرًا عبر باللام في {لكم} وهذا باعتبار الأغلب وهو كما قال الحرالي عند المحبين للقاء الله من أحلى ما تناله أنفسهم حتى كان ينازع الرجل منهم في أن يقف فيقسم على الذي يمسكه أن يدعه والشهادة، قال بعض التابعين: لقد أدركنا قومًا كان الموت لهم أشهى من الحياة عندكم اليوم وإنما كان ذلك لما خربوه من دنياهم وعمروه من أخراهم فكانوا يحبون النقلة من الخراب إلى العمارة- انتهى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

المناسبة أن القتال من البأساء التي في قوله: {ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء} [البقرة: 214] فقد كلفت به الأمم قبلنا، فقد كلفت بنو إسرائيل بقتال الكنعانيين مع موسى عليه السلام، وكلفوا بالقتال مع طالوت وهو شاول مع داود، وكلف ذو القرنين بتعذيب الظالمين من القوم الذين كانوا في جهة المغرب من الأرض.
ولفظ {كتب عليكم} من صيغ الوجوب وقد تقدم في آية الوصية. وآل في القتال للجنس، ولا يكون القتال إلا للأعداء فهو عام عمومًا عرفيًا أي كتب عليكم قتال عدو الدين.
والخطاب للمسلمين، وأعداؤهم يومئذ المشركون، لأنهم خالفوهم في الدين وآذوا الرسول والمؤمنين، فالقتال المأمور به هو الجهاد لإعلاء كلمة الله. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال ابن كثير:

قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} هذا إيجاب من الله تعالى للجهاد على المسلمين: أن يكُفُّوا شرّ الأعداء عن حَوْزة الإسلام.
وقال الزهري: الجهادُ واجب على كلّ أحد، غزا أو قعد؛ فالقاعد عليه إذَا استعين أن يَعينَ، وإذا استُغيثَ أن يُغيثَ، وإذا استُنْفرَ أن ينفر، وإن لم يُحتَجْ إليه قعد.
قلت: ولهذا ثَبَت في الصحيح «من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بغزو مات ميتة جاهلية».
وقال عليه السلام يوم الفتح: «لا هجرة، ولكن جهاد ونيَّة، إذا استنفرتم فانفروا». اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه عليه الصلاة والسلام كان غير مأذون في القتال مدة إقامته بمكة فلما هاجر أذن له في قتال من يقاتله من المشركين، ثم أذن له في قتال المشركين عامة، ثم فرض الله الجهاد واختلف العلماء في هذه الآية فقال قوم: إنها تقتضي وجوب القتال على الكل وعن مكحول أنه كان يحلف عند البيت بالله أن الغزو واجب ونقل عن ابن عمر وعطاء: أن هذه الآية تقتضي وجوب القتال على أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام في ذلك الوقت فقط حجة الأولين أن قوله: {كُتِبَ} يقتضي الوجوب وقوله: {عَلَيْكُمْ} يقتضيه أيضًا، والخطاب بالكاف في قوله: {عَلَيْكُمْ} لا يمنع من الوجوب على الموجودين وعلى من سيوجد بعد ذلك كما في قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص} [البقرة: 178]، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام} [البقرة: 183].
فإن قيل: ظاهر الآية هل يقتضي أن يكون واجبًا على الأعيان أو على الكفاية.
قلنا: بل يقتضي أن يكون واجبًا على الأعيان لأن قوله: {عَلَيْكُمْ} أي على كل واحد من آحادكم كما في قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام} حجة عطاء أن قوله: {كُتِبَ} يقتضي الإيجاب، ويكفي في العمل به مرة واحدة وقوله: {عَلَيْكُمْ} يقتضي تخصيص هذا الخطاب بالموجودين في ذلك الوقت إلا أنا قلنا: إن قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام} حال الموجودين فيه كحال من سيوجد بعد ذلك، بدلالة منفصلة وهي الإجماع، وتلك الدلالة مفقودة هاهنا فوجب أن يبقى على الوضع الأصلي، قالوا: ومما يدل على صحة هذا القول قوله تعالى: {وَكُلًا وَعَدَ الله الحسنى} [النساء: 95] ولو كان القاعد مضيعًا فرضًا لما كان موعودًا بالحسنى، اللهم إلا أن يقال: الفرض كان ثابتًا ثم نسخ، إلا أن التزام القوم بالنسخ من غير أن يدل عليه دليل غير جائز، ويدل عليه أيضًا قوله تعالى: {وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَافَّةً} [التوبة: 122] والقول بالنسخ غير جائز على ما بيناه، والإجماع اليوم منعقد على أنه من فروض الكفايات، إلا أن يدخل المشركون ديار المسلمين فإنه يتعين الجهاد حينئذ على الكل والله أعلم. اهـ.